قيس سعيد.. “الأستاذ” الذي قلب الموازين في تونس

قبل أشهر، استقبل العديد من التونسيين خبر اعتزام قيس سعيد الترشح للانتخابات الرئاسية بسخرية، فهو الرجل البسيط الهادئ الذي لا يملك حزباً أو جهة سياسية تدعمه ولا رصيداً سياسياً قوياً يجعله قادراً على مواجهة أسماء بارزة في المشهد السياسي ومرشحين مدعومين سياسياً ومادياً وإعلامياً.

وحتى بعد أن برز اسمه في استطلاعات الرأي ضمن أهم الشخصيات المرشحة لتحقيق نتائج إيجابية في الانتخابات الرئاسية، لم يتوقع أحد منه أن يقلب الطاولة على الكل، ويصبح حاكم قرطاج الجديد خلفاً للرئيس الراحل، الباجي قايد السبي.

بدأ قيس سعيد (61 سنة) حياته بمسار تعليمي ناجح في أبرز الجامعات التونسية، إذ حصل على شهادة الدراسات المعمقة في القانون الدولي العام من كلية الحقوق والعلوم السياسية سنة 1985 وعلى دبلوم الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري سنة 1986 ودبلوم المعهد الدولي للقانون الإنساني بإيطاليا سنة 2001، ليصبح واحداً من أهم الأسماء البارزة في المجال القانوني والدستوري بتونس.

“الروبوكوب”

درّس سعيد في العديد من الجامعات التونسية وأدار قسم القانون العام بكلية الحقوق في سوسة بين 1994 و1999. وكان ضمن فريق الخبراء للأمانة العامة لجامعة الدول العربية الذي أعد ميثاق الجامعة العربية، كما كانت له مساهمة في إعداد الدستور التونسي الجديد.

وبعد ثورة 2011، كان هذا الرجل من الأسماء التي اكتشفها التونسيون بسبب ظهوره المتكرر على وسائل الإعلام لشرح وتحليل المسائل القانونية والدستورية المرتبطة بالقضايا السياسية، وقد تلمّسوا فيه شخصية مختلفة وطريفة في آن واحد، بسبب طريقة كلامه وأسلوب خطابه الذي يعتمد أساساً على اللغة العربية الفصيحة والتحدث بجدية ودون تشنج ودون توقف، حتى أصبح يلقب بـ”الروبوكوب” أو الرجل الآلي.

إلا أن نجمه صعد في السياسة التونسية، منذ إعلانه اعتزام الترشح للانتخابات الرئاسية بصفته مرشحاً مستقلاً، فظهرت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي باسمه تدعو إلى الالتفاف حوله ودعمه للفوز في هذا الاستحقاق الانتخابي، يقودها خاصة طلبة جامعيون. وتزايد الاهتمام به وبترشحه ونجح في الاستئثار بنصيب واسع من المساندة، حتى برز اسمه في استطلاعات الرأي وتصدر نوايا تصويت التونسيين.

طريقة متواضعة

وخلال الحملة الانتخابية، لم يظهر في تجمّعات شعبية كبيرة، ولم تعلق له لافتات كبرى تحمل صورته في الشوارع، واكتفى فقط بالتجول على سيارته الخاصة في عدد من المدن للقاء المواطنين في المقاهي والأسواق الشعبية، بعد أن رفض التمويل العمومي للمرشحين الرئاسيين، بحجة أنه مال عام وهو حق للشعب التونسي فقط.

ونجح بهذه الطريقة المتواضعة في لم شمل العديد من الجماهير المساندة له، خاصة من فئة الشباب والطلبة، كما استطاع القفز فوق جميع المرشحين البارزين والأسماء الثقيلة المدعومة من الأحزاب ووسائل الإعلام ورجال المال والأعمال، والحصول على ثقة الأغلبية الساحقة من الناخبين التونسيين.

ويقوم البرنامج السياسي لقيس سعيد على إعطاء دور محوري للجهات وتوزيع السلطة على السلطات المحلية عبر تعديل الدستور، ويعتقد أن الوضع الحالي يقتضي إعادة بناء سياسي وإداري جديد، ينطلق من المحلّي نحو المركزي عبر تأسيس مجالس محلية، وجعلها تشارك في السلطة. كذلك يرى سعيد أن الشعب نفسه هو من يجب أن يضع الخطط والاستراتيجيات الفكرية والاقتصادية التي تحرك الوطن بعد الثورة، وليس العكس.

ووصف نجاح سعيد في الوصول إلى سدة الرئاسة بـ”المعجزة السياسية في نظر الكثيرين، فأستاذ القانون تمكن من قلب الساحة السياسية رأساً على عقب في شهور قليلة، ووقع شهادة وفاة الأحزاب التقليدية، كما كتب نهاية مسيرة شخصيات سياسية بارزة، كانت إلى وقت قريب على رأس السلطة في البلاد.

المصدر : العربية نت

شاهد أيضاً

عرفت تونس منذ استقلالها يوم 20 مارس/آذار 1956 الطريق إلى صناديق الاقتراع للانتخابات التشريعية والتأسيسية …